21.4.13

مصر 2020 : الظلام او الافلاس !




تعتبر مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تصل الكهرباء لجميع اراضيها تقريبا بنسبة 99.6% طبقا لبيانات هيئة الكهرباءالامريكية و تقوم مصر باستهلاك حوالي 136 بليون كيلو وات ساعة في السنة بزيادة 7% كل عام.
تعاني مصر كمعظم دول العالم من مركزية قطاع الطاقة متمثل في الوزارة و هيئة وزارية مسئولة عن التوسعات في توليد الكهرباء. فالتوسعات العمرانية الجديدة و المنشئات الصناعية الحديثة مع ارتفاع مستوي المعيشة ادي الي زيادة الاحمال بالتوازي مع تهالك المنشئات الموجودة للتوليد.
و بالنظر الي الهيكل الحكومي المسئول عن الكهرباء في مصر يعتبر نظام ذكي و متطور لكنه يتجاهل تماما جانب مهم و هو الابحاث و توقع زيادة الاحمال, فالهيكل المسئول عن الكهرباء في مصر هو شركة كهرباء مصر القابضة المكونة من 16 شركة مختلفة : 6 شركات للتوليد بأقاليم مصر المختلفة و 9 شركات للتوزيع و شركة واحدة لنقل الكهرباء. و لا توجد اي شركة تحت مظلة القابضة للكهرباء مسئولة عن الطاقة المتجددة, فهيئة الطاقة المتجددة منظومة فاشلة تعمل للتمثيل الرمزي و فشلت العام الماضي في تشغيل محطة شمسية صغيرة جدا و اسنتدت عملية التشغيل للقابضة للكهرباء. ايضا لا توجد اي منظومة منفصلة داخل القابضة للكهرباء لمراقبة زيادة الاحمال و تقديم مخطط سنوي لتفادي الوقوع في ازمات الاحمال التي نعيشها منذ صيف 2010. فمصر تتعامل مع قطاع الكهرباء بخطط سنوية و عشرية لرفع مستوي الخدمة بكافة جوانبها.
النظرة المستقبلية لشبكة كهرباء مصر نظرة لا تحمل اي نوع من التفاؤل, فنحن امام شبكة عملاقة 90% من طاقتها الاجمالية تأتي من محطات حرارية بترولية او غازية و 9% من مصادر كهرومائية مثل السد العالي.
و دعوني اكمل طرحي هنا في صورة سؤال و جواب حتي يصبح الموضوع حواريا غير ممل


ما هي المشكلة في استمرار الوضع كما هو عليه ؟

استمرار الوضع كما هو يعتبر كارثي حيث انه توجد 17 محطة توليد حرارية تعمل بالبترول تمثل نسبة 30% من انتاج الكهرباء في مصر يجب تحويل غرف الاحتراق بها الي الغاز الاقل تكلفة حتي نتدارج الخسائر السريعة التي تكلفنا الملايين يوميا حيث ان تكلفة التوليد بالمازوت هي 10 قروش لكل كيلو وات ساعة بينما قد تصل الي 7 قروش في التوليد بالغاز. (التوليد بالغاز بنظام دائرة بريتون يعتبر اقل كفاءة في الاستفادة بالوقود من نظام دائرة رانكين, لكن التكلفة الناتجة لمعادلة قدرة التوليد سنعتبرها مهملة في هذه الدراسة) 

لدراسة التكلفة  المتوقعة من استمرار الوضع كما هو عليه سنقوم بافتراض انه تم تحويل جميع المحطات للعمل بالغاز و تم رفع الدعم بنسبة 50% فاصبح المستهلك يدفع الضعف.
 بدراسة  احدي المحطات كمثال و في هذه الحالة ستكون اكبر محطات مصر الغازية هي محطة شمال القاهرة و قدرتها 1500 ميجا وات. تنتج سنويا 8511 جيجا وات ساعة مستهلكة 1800 مليون مترمكعب من الغاز. و حيث ان تكلفة التوليد من الغاز 5 قروش (بعد حساب العائد مما يدفعه المستهلك) لكل كيلوات ساعة  فتجد ان تكلفة التوليد بالمحطة 425 مليون جنيه سنويا. و بذلك تكون تكلفة الوقود الذي يجب توافره لتوليد 233 بليون كيلو وات ساعة (و هي كمية الطاقة التي ستستهلكها مصر في العام 2020 ) سيكون 11 و نصف المليار جنيه و هو رقم معقول. و لكن هل لدينا هذه الكمية من الغاز المستخرج محليا ؟
تحتاج مصر في العام 2020  لحوالي 50 بليون متر مكعب من الغاز و لوضعها بوحدة القياس التجارية ستكون 1.75 تريليون قدم مكعب من الغاز سنويا. تنتج مصر حاليا اكثر من 2.2 تريليون قدم مكعب من الغاز و تستهلك 1.6 تريليون قدم مكعب محليا و يذهب الباقي للتصدير.


تصدر مصر الغاز للعالم بطريقتين, الاولي عن طريق خطوط الغاز و الثانية عن طريق الغاز المسال من محطتي ادكو و دمياط  بعقود لتصدير الغاز المسال لاوروبا و اسيا التي كانت وصلت لنصف تريليون قدم مكعب في 2009 و لكنها هبطت للنصف الان.

الازمة التي نواجهها الان هي اهتمام الدولة بالتصدير للحفاظ علي تدفق العملة الاجنبية للبلاد نظرا لارتباطات مالية معقدة مع الشركات العالمية العاملة بالغاز في مصر. الحفاظ علي تدفق العملة الاجنبية و تفادي دفع اي غرامات عند توقف التوريد يعتبر اولوية  لاصحاب القرار في مصر. فهم لا يجدون مانع ان يتحمل المواطن خفض الطاقة المولدة (الي 88 بليون كيلوات ساعة هذا العام) في سبيل تخطي الازمة المالية.

تدخلت قطر -اكبر دولة مصدرة للغاز في العالم- و انقذت مصر في وقت كانت فيه في اشد الحاجة للمساعدة في ضخ الغاز و لكن بطريقة تضمن استمرار مصلحتها مستقبلا. فدولة قطر اعلنت دعمها لمصر بتوريد غاز مسال لمصر لتفادي الازمة الكارثية التي قد تحدث صيف هذا العام, و قررت بناء محطة استقبال ضخمة جدا لتحويل الغاز المسال الي غاز مرة اخري ليتم ضخه لمحطات التوليد.  و بذلك, في المستقبل و في حالة تغير الوضع سياسيا و تمت الاطاحة بحكم الاخوان في مصر, تتحكم قطر في توريد الغاز لمصر لانها ستكون الحل الاسهل لنا لاعتبارات لوجيستية.
 احصائيا اذا استمرت الازمة الاقتصادية و احتجنا الي استمرار التصدير حتي العام  2020  سيتخطي الاستهلاك المحلي حاجز ال 1.6 تريليون قدم مكعب و سنستمر في الاستعانة بالمساعدات القطرية من الغاز المسال و بذلك سيكون السؤال الاهم في الفترة الحالية :
هل في حالة حدوث تغير في القيادة السياسية في المستقبل القريب ستستمر قطر في مساعدة مصر ام ستتغير سياستها تجاهنا ؟
 في حالة تغير سياسة قطر لمصر سنتجه الي الاستيراد بالاسعار العالمية لتغذية محطات توليد الكهرباء. حسب اسعار الغاز بالسوق العالمية اليوم قمت بحساب تكلفة توليد كيلوات ساعة طبقا لهذه الاسعار فوجدت انه سيصل سعر الكيلوات ساعة الي 9 سنتات و معني ذلك انه لتوليد 233 بليون كيلو وات ساعة سنحتاج 130 مليار جنيه سنويا اي 20% تقريبا من ميزانية مصر ستكون لتوليد الكهرباء,
لست خبيرا في الاقتصاد و لكن طبقا لهذه الحسابات و حتي لو استطعنا الحصول علي مساعدات في 50% من تكلفة الوقود في حالة استيراده مازالنا نتجه بخطوات ثابتة نحو الافلاس 

لماذا لا تزيد مصر من انتاجها من الكهرباء من المولدات الكهرومائية كالسد العالي ؟

مصر تستغل حوالي 85% من الطاقة المائية التي يمكن ان تستغل بنهر النيل و تنتج ما يقارب من 14 بليون كيلو وات ساعة في العام من نهر النيل و بذلك اقصي انتاج يمكن الوصول له سيكون 16.1 بليون كيلوات ساعة

لماذا لا نستعين ببديل من وسائل الطاقة المتجددة كالرياح مثلا ؟

لتخيل تكلفة توليد الطاقة من الرياح سأستعين بدراسة اجرتها جامعة كورنل منذ فترة قصيرة. توقعت الجامعة انه لتغذية مدينة نيو يورك بطاقة مولدة من الرياح ستغطي ابراج تربينات الرياح 13 % من مساحة المدينة و سيتكلف المشروع حولي  382 مليار دولار اي 2 و نصف تريليون جنيه مصري كتكلفة الانشاء فقط.
تستهلك مدينة نيو يورك 97 بليون كيلو واتساعة  في العام اي اكثر من نصف ما تستهلكه مصر في العام بمجموع محطات توليد بقدرة 28 الف ميجاوات.
 في مصر, جغرافيا المساحة التي يمكن انشاء محطات توليد طاقة من الرياح في مصر طبقا للدراسات المناخيةهي منطقة العين السخنة و الزعفرانة حتي الغردقة و تعتبر من افضل البقع في العالم لتوليد الطاقة من الرياح, و بحساب القدرة التي يمكن توليدها في المنطقة تبين ان اقصي ما يمكن توليده من هذه البقعة هو 7200 ميجاوات فقط.
تساهم تربينات الرياح الشبكة المصرية بحوالي 500 ميجاوات, تولد 99% من هذه القدرة من الزعفرانة و نسبة مهملة من الغردقة . فالمتبقي من المتاح لنا انتاجه من هذه البقعة حوالي 6700 ميجاوات ستتكلف حوالي 100 مليار دولار بناء علي الارقام الموجودة بدراسة جامعة كورنل. لذلك بحساب التكلفة و القدرة المولدة من المشروع يصبح اختيار طاقة الرياح اختيار مكلف جدرا لتوليد قدرة لن تساهم بالكثير في الشبكة المصرية.

و ماذا عن الطاقة الشمسية , هل يمكن ان تكون المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة الكهربائية في مصر ؟

تكنولوجيا تحميص البخار بتركيز اشعة الشمس بالعدسات بدلا من حرق الوقود هي تكنولوجيا واعدة, و مصر عضو في مشروع طموح جدا يسميديزرتك يتبني هذه الصناعة لتصدير الطاقة من افريقيا لاوروبا في العام 2050
شاركت مصر في المشروع في العام 2010 من خلال محطة الكريمات بقدرة 140 ميجاوات تساهم فيها الطاقة الشمسية ب 20 ميجاوات فقط. اصحاب المشروع لديهم رؤية مستقبلية لافريقيا و يرون ان لدي الطاقة الشمسية بالقارة القدرة علي توليد 3 مليون تيراوات ساعة في السنة بتكلفة توليد تصل ل 16 سنت لكل كيلو وات ساعة.
التكنولوجيا واعدة جدا و لكن تواجه مشاكل في ال reliability  الخاص ببعض العمليات الاساسية في المشروع, حيث انه لتركيز اشعة الشمس علي عدسات ضخمة  بهذه المناطق القاسية جدا في المناخ و الظروف الطبيعية قد تؤثر علي الاجزاء الميكانيكية بالمحطة, بالاضافة الي صعوبة تحقيق عمليات الكشف الدوري و الصيانة, هذا بجانب ايضا تكنولوجيا تخزين الطاقة الشمسية ليلا في بطاريات حرارية التي تعتبر تكنولوجيا وليدة مازالت في فترة البحث و التطوير. كل هذه المشاكل علي العلماء التعامل معها في الفترة القادمة لطرح الطاقة الحرارية كبديل قوي يعتمد عليه امام الوقود


عند التخطيط لتوليد الطاقة الكهربية في خلال الوضع الاقتصادي الحالي في العالم تتدخل العديد من العوامل في التخطيط, فتكلفة الانشاء ليست العامل الرئيسي في التوليد فبعض الدول تتمتع بمميزات عن دول بمميزات استراتيجية غير دول اخرى و مثال علي ذلك القوات المسلحة في مصر. و تتفاوت القوانين البيئية المتعلقة بتوليد الطاقة و تتفاوت الاجور و ظروف العمالة بالمنطقة.


الجدول التالي يوضح سيناريو افتراضي لو قمنا بالاستفادة من كل وسائل الطاقة المتجددة المتاحة لنا بحلول العام 2020 و هو ما يعتبر من الخيال نظرا للواقع السياسي الموجود حاليا
الوضع الحالي الان



و بذلك يتبقي لنا مصدر وحيد و هو الطاقة النووية التي تعتبر مصدر رخيص جدا لتوليد الطاقة. الدراسات تؤكد في الوقت الحالي ان بناء المفعلات النووية اكبر بكثير من بناء محطات توليد غازية وفقا لدراسات امريكية و اوروبية و لكن لاسباب عديدة سياسية و بيئية و اقتصادية قد تتغير هذه الارقام في حالة التطبيق في مصر.

الرقم الاهم هو تكلفة الوقود علي المدى الطويل, فمصر من الدول المنتجة للمواد المشعة و تكلفة الوقود لتوليد الطاقة من المفاعلات النويية نصف تقريبا تكلفة الوقود في حالة التوليد من الغاز, هذا بجانب التكاليف الغير الثابتة في التوليد بجانب اسعار الوقود ففي التوليد بالغاز ترتفع نسبة التكاليف المتغيرة.

طبقا لهيئة الطاقة الامريكية 


طبقا لدراسة هيئة مهندس الطاقة باسكتلندا 


اسعار توليد الطاقة

 اكبر دول العالم الان تساهم الكهرباء المولدة نوويا في شبكتها . فمدينة نيو يورك اكبر مدن العالم تضئ 30% من من مبانيها بكهرباء مولدة نوويا. و تساعم الكهرباء المولدة نوويا ب20% من الطاقة الكلية المولدة بالولايات المتحدة 

 تملك مصر علي شبكتها 20 ميجاوات تم توليدهم من مفاعل انشاص النووي و من المفترض ان ينتهي البناء من مفاعل الضبعة النووي في 2019 ليساهم في الشبكة ب 1200 ميجاوات لكن توقف المشروع لخلافات و نزاعات علي ملكية الارض و انتهي الامر بسرقة مباني المفاعل النووي في احداث الشغب التي اندلعت في 2011. الواقع الان اننا دولة منفلتة و حكومتها غير مسئولة و سيكون من العبث التفكير في مشروع نووي الان و لكنه هو الحل الوحيد المتبقي لنا لتفادي المستقبل المظلم و لكن تحت حكم و ارادة سياسية اقوي و في اسرع وقت لان الوقت يداهمنا و البناء يحتاج لوقت طويل.

1 comment:

  1. تدوينة توضح الكثير والكثير لمن يريد الحقيقه وربنا يسترها على البلاد من اغبياء يحكموننا الان

    ReplyDelete

ShareThis